بقلم
اللواء دكتور
سمير فرج
----
** اليوم، السادس من أكتوبر.
كل عام، فى هذا اليوم، منذ عام 1973، أتذكر الأحداث، بأدق تفاصيلها كأنها بالأمس.
الصباح
الباكر، وجميعنا فى مركز القيادة الرئيسى للقوات المسلحة لم يتخيل أى منا، فى هذا
الصباح، أنه سيصبح يوماً تاريخياً فى حياة الأمة العربية والشعب المصري. مازلنا فى
شهر رمضان، فى اليوم العاشر منه، جلس كل منا فى مكانه، منذ الثامنة صباحاً، بعدما
غادرت مجموعة المساء وأوشك المشروع التدريبى على الانتهاء وبدأنا الاستعداد فى رفع
خرائط ذلك المشروع ... وجهزنا خرائط "الخطة جرانيت" للهجوم واقتحام قناة السويس.
وأعترف، بأن الجميع لم يكن يصدق هل سنحقق الحلم بعد كل هذه السنوات، ونقتحم قناة
السويس؟!.
وبدأت البلاغات تتوالى، بوصول مجموعات خلف
الخطوط، التى تم دفعها فى عمق سيناء، لمراقبة أى تحركات للاحتياطيات الإسرائيلية،
فى محاولة التدخل لمنع قواتنا من اقتحام قناة السويس. وبدأنا نتلقى تمام وصول
الساعة "س" وهو التوقيت المحدد للهجوم، وفقاً للتعريفات العسكرية، فكل مستوى، من
العملية، له توقيت معين، يتم فيه فتح المظروف الخاص به.
وحان وقت صلاة الظهر، وتوجهنا، جميعاً، إلى المسجد، وبعد إتمام الصلاة، طلب اللواء الجمسى بقاء ضباط هيئة العمليات فى المسجد، ليتحدث إلينا. وسأل اللواء الجمسى " يا ترى، إذا ربنا وفقنا النهارده فى العبور، هل نكمّل إلى المضايق؟ " وسكت الجميع، إلا اللواء البري، رحمه الله، إذ قال " يافندم ربنا يكرمنا بس ونعدى ونعبر". فرد اللواء الجمسى «إحنا كلنا هنا تعبنا فى التخطيط للحرب ... والقوات كلها تعبت فى التدريب والاستعداد حتى فى رمضان وأكيد ربنا هيقف معانا ... وأنا واثق إننا هنعبر يلا نقرا الفاتحة» وقرأناها، واستشعرت، بشدة، معنى مناجاة الله، وأنا أرفع يدى إلى السماء، داعياً يا رب خليك معانا فى هذا الشهر المفترج.
وانطلقنا جميعاً، لنضع اللمسات الأخيرة، قبل بدء عملية العبور، وأكاد أجزم، أن البعض منا كان غير واثقً أننا سنقوم بالتنفيذ، وأننا، بالفعل، سنعبر القناة، ونقتحم خط بارليف. وتوالت البلاغات والإشارات فى الوصول لغرفة العمليات جنودنا يلعبون الكرة، على الخط الأمامي، بالقرب من الجنود الإسرائيليين، جنودنا فرشوا البطاطين وهى عادة يقوم بها الجنود المصريون، بتهوية أغطيتهم تحت الشمس، بعض الملابس، نشرها الجنود لتجف. وعلى الجانب الآخر من الضفة تسود حالة من الهدوء التام، على طول خط بارليف نقاط الملاحظة الإسرائيلية، فى وضع استرخاء كامل، معظم الجنود الإسرائيليين قد خلعوا الخوذة دليلاً على أنهم لم يستشعروا حالة الاستعداد، فى صفوف الجيش المصري، للهجوم بعد ساعات قليلة.
وهنا أذكر مناظرة لى مع الجنرال شارون، بعد حرب 73، أذاعتها قناة BBC البريطانية، قال فيها ان جيشهم كان على علم بأن المصريين سيعبرون قناة السويس يوم السادس من أكتوبر، ولكننى على يقين، بأنه لم يكن صادقاً فيما ذكر، لأن هذه المعرفة تقتضي، حتماً، رفع درجات الاستعداد من جانبهم، بما يؤدى لتغيير الأحوال على خط بارليف، وهو ما لم يحدث! ويدل، ذلك، على أن قواتنا المسلحة، قد خدعت، بالفعل، الجانب الإسرائيلي.
وأعترف بأنني، وكثيرين غيرى لم نصدق بدء المعركة إلا برؤية 200 طائرة حربية مصرية، تعبر قناة السويس، فى وقت واحد رأيناها على شاشة كبيرة فى غرفة العمليات فأيقنت، لحظتها، أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. ودخل علينا الرئيس السادات، فى مركز العمليات، ومعه فتوى بجواز إفطار نهار رمضان فى ذلك اليوم، وخلفه جندي، يطوف حاملاً صينية، رص عليها بعض السندوتشات وعلب العصير، أخذ كل منا نصيبه منها، ووضعه فى الدرج، ولم نتذكرها حتى عند آذان المغرب لم نتذكرها إلا فى الثامنة مساء، ونحن نسلم العمل لمجموعة المساء فنحن سعداء نهلل فرحاً ونبتهل إلى الله شاكرين استجابته لدعائنا، ونحن نتلقى البلاغات، واحداً تلو الآخر، بسقوط نقاط خط بارليف.
وبخلاف سعادتى الغامرة بتلقى بلاغات سقوط نقاط خط بارليف ... فقد كان أجمل الأخبار التى سمعتها فى هذا اليوم، هو تلك الرسالة التى أرسلها قائد القوات الجوية الإسرائيلية، إلى جميع قواته، فى رسالة مفتوحة غير مشفرة لضمان سرعة وصولها لجميع الطيارين الإسرائيليين (ممنوع الاقتراب من مسافة 15كم من قناة السويس) وهو مدى عمل حائط الصواريخ المصرى مما يعنى أن قوات العبور المصرية، ستعمل دون تدخل من القوات الجوية الإسرائيلية تلك (الذراع الطويلة) التى طالما تباهت بها إسرائيل لقد قطعها رجال الدفاع الجوى المصري، وحققوا حلماً عظيماً لجيش مصر ولشعب مصر.
يا شعب مصر العظيم فى هذه الأيام يجب أن نتذكر، وبكل فخر، تلك الملحمة التى سطرها آباؤكم ... لتضيف صفحات جديدة، مضيئة فى تاريخ مصر كأعظم إنجاز فى تاريخها الحديث ... فبعد سبع سنوات من الهزيمة، تحقق لها النصر بالإصرار والتفانى والعمل الجاد.
ومن عِبر الماضي، نستقى دروساً فى الحاضر فنحن قادرون على تحقيق المستحيل فى معركتنا المقبلة بشحذ الهمم وبذل الجهد والإخلاص فى العمل لكى يقوى اقتصادنا، ونصبح دولة عظيمة.
وحان وقت صلاة الظهر، وتوجهنا، جميعاً، إلى المسجد، وبعد إتمام الصلاة، طلب اللواء الجمسى بقاء ضباط هيئة العمليات فى المسجد، ليتحدث إلينا. وسأل اللواء الجمسى " يا ترى، إذا ربنا وفقنا النهارده فى العبور، هل نكمّل إلى المضايق؟ " وسكت الجميع، إلا اللواء البري، رحمه الله، إذ قال " يافندم ربنا يكرمنا بس ونعدى ونعبر". فرد اللواء الجمسى «إحنا كلنا هنا تعبنا فى التخطيط للحرب ... والقوات كلها تعبت فى التدريب والاستعداد حتى فى رمضان وأكيد ربنا هيقف معانا ... وأنا واثق إننا هنعبر يلا نقرا الفاتحة» وقرأناها، واستشعرت، بشدة، معنى مناجاة الله، وأنا أرفع يدى إلى السماء، داعياً يا رب خليك معانا فى هذا الشهر المفترج.
وانطلقنا جميعاً، لنضع اللمسات الأخيرة، قبل بدء عملية العبور، وأكاد أجزم، أن البعض منا كان غير واثقً أننا سنقوم بالتنفيذ، وأننا، بالفعل، سنعبر القناة، ونقتحم خط بارليف. وتوالت البلاغات والإشارات فى الوصول لغرفة العمليات جنودنا يلعبون الكرة، على الخط الأمامي، بالقرب من الجنود الإسرائيليين، جنودنا فرشوا البطاطين وهى عادة يقوم بها الجنود المصريون، بتهوية أغطيتهم تحت الشمس، بعض الملابس، نشرها الجنود لتجف. وعلى الجانب الآخر من الضفة تسود حالة من الهدوء التام، على طول خط بارليف نقاط الملاحظة الإسرائيلية، فى وضع استرخاء كامل، معظم الجنود الإسرائيليين قد خلعوا الخوذة دليلاً على أنهم لم يستشعروا حالة الاستعداد، فى صفوف الجيش المصري، للهجوم بعد ساعات قليلة.
وهنا أذكر مناظرة لى مع الجنرال شارون، بعد حرب 73، أذاعتها قناة BBC البريطانية، قال فيها ان جيشهم كان على علم بأن المصريين سيعبرون قناة السويس يوم السادس من أكتوبر، ولكننى على يقين، بأنه لم يكن صادقاً فيما ذكر، لأن هذه المعرفة تقتضي، حتماً، رفع درجات الاستعداد من جانبهم، بما يؤدى لتغيير الأحوال على خط بارليف، وهو ما لم يحدث! ويدل، ذلك، على أن قواتنا المسلحة، قد خدعت، بالفعل، الجانب الإسرائيلي.
وأعترف بأنني، وكثيرين غيرى لم نصدق بدء المعركة إلا برؤية 200 طائرة حربية مصرية، تعبر قناة السويس، فى وقت واحد رأيناها على شاشة كبيرة فى غرفة العمليات فأيقنت، لحظتها، أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. ودخل علينا الرئيس السادات، فى مركز العمليات، ومعه فتوى بجواز إفطار نهار رمضان فى ذلك اليوم، وخلفه جندي، يطوف حاملاً صينية، رص عليها بعض السندوتشات وعلب العصير، أخذ كل منا نصيبه منها، ووضعه فى الدرج، ولم نتذكرها حتى عند آذان المغرب لم نتذكرها إلا فى الثامنة مساء، ونحن نسلم العمل لمجموعة المساء فنحن سعداء نهلل فرحاً ونبتهل إلى الله شاكرين استجابته لدعائنا، ونحن نتلقى البلاغات، واحداً تلو الآخر، بسقوط نقاط خط بارليف.
وبخلاف سعادتى الغامرة بتلقى بلاغات سقوط نقاط خط بارليف ... فقد كان أجمل الأخبار التى سمعتها فى هذا اليوم، هو تلك الرسالة التى أرسلها قائد القوات الجوية الإسرائيلية، إلى جميع قواته، فى رسالة مفتوحة غير مشفرة لضمان سرعة وصولها لجميع الطيارين الإسرائيليين (ممنوع الاقتراب من مسافة 15كم من قناة السويس) وهو مدى عمل حائط الصواريخ المصرى مما يعنى أن قوات العبور المصرية، ستعمل دون تدخل من القوات الجوية الإسرائيلية تلك (الذراع الطويلة) التى طالما تباهت بها إسرائيل لقد قطعها رجال الدفاع الجوى المصري، وحققوا حلماً عظيماً لجيش مصر ولشعب مصر.
يا شعب مصر العظيم فى هذه الأيام يجب أن نتذكر، وبكل فخر، تلك الملحمة التى سطرها آباؤكم ... لتضيف صفحات جديدة، مضيئة فى تاريخ مصر كأعظم إنجاز فى تاريخها الحديث ... فبعد سبع سنوات من الهزيمة، تحقق لها النصر بالإصرار والتفانى والعمل الجاد.
ومن عِبر الماضي، نستقى دروساً فى الحاضر فنحن قادرون على تحقيق المستحيل فى معركتنا المقبلة بشحذ الهمم وبذل الجهد والإخلاص فى العمل لكى يقوى اقتصادنا، ونصبح دولة عظيمة.
يا رب
... أدعوك كما دعوتك منذ ثلاثة وأربعين عاماً، فى ظهر يوم السادس من أكتوبر، أن
تنصر مصر وشعب مصر!.
0 تعليقات