اخر الاخبار متحرك

مقال : التعديلات وألغام نظام الحكم - بقلم د. رفعت لقوشة

التعديلات وألغام نظام الحكم
بقلم
د. رفعت لقوشة
مفكر سياسي وخبير دستوري 
** ابتداء.. وقبل مناقشة التعديلات الصادرة عن 'لجنة العشرة'، فإن كلمات التقدير تبقي حقًا للجنة وبإستحقاق موضوعي..   حق لجهد مبذول وقطعت به شوطًا وحق لنافذة مفتوحة وأطلت بها علي مقترحات الآخرين وأخذت ببعضها 'ومن بينها مقترحات لي'، ولكن ما جاء في التعديلات وما غاب عنها وما صمتت إزاءه.. يدعو إلي المناقشة، فالهدف هو صياغة دستور احترافي وقادر علي تأسيس التوازنات وإحكام ضوابط الاستقرار السياسي وبناء 'ذاكرة المستقبل'.. فهذا الدستور هو الرهان الحقيقي لخارطة الطريق، وفي هذا المقال.. فإنني سوف أتوقف ـ بأسبابي ومداخلاتي.. أمام صمت اللجنة إزاء نظام الحكم وعدم مقاربتها له بالتعديل تفكيكًا لألغامه.
كما قلت قبلاً وأعاود التأكيد.. فإن نظام الحكم 'وكما جاء في دستور 2012' هو 'حقل ألغام' سوف ينفجر في وجه الجميع بإشكاليات سياسية لا حل لها وهو نظام لم يعرفه دستور في العالم، فالذين وضعوا الدساتير في العالم.. كانوا محترفين ولا تعوذهم القدرة علي استقواء الاشكاليات واستباقها بالحلول، ولكن الهواة الذين وضعوا دستور 2012 فعلوا العكس تمامًا.. صادروا الحلول واستبقوا الاشكاليات، ومرة أخري.. فنحن إزاء نظام حكم لم يعرفه دستور في العالم.
وأجدني محقًا.. فلا يوجد دستور في العالم يصف رئيس الجمهورية بأنه رئيس السلطة التنفيذية 'كما جاء في المادة 132 من دستور 2012'، ثم يحرمه حق تسمية وتعيين رئيس مجلس الوزراء والوزراء وإقالتهم ويحيل حق تشكيل الحكومة إلي البرلمان 'كما جاء في المادة 139 من الدستور وهي مادة منقولة من المادة 63 في الدستور الألماني حيث رئيس الجمهورية لا يوصف بأنه رئيس السلطة التنفيذية'!!.
ولنستشهد بدساتير كتبها محترفون وليس هواة في غرف مغلقة، فالدستور الفرنسي ـ مثالاً ـ أقر لرئيس الجمهورية بصفة رئيس السلطة التنفيذية، ولذلك فلقد أقر له في المادة '8' بحقه في تسمية وتعيين رئيس مجلس الوزراء وإقالته ولم يتضمن أي نص دستوري يشرع للبرلمان حق تشكيل الحكومة ويتكرر نفس الشيء في الدستور الروسي 'المادة 111، المادة 117' وعلاوة علي ذلك.. فإنني استشهد بالفقيه الدستوري عبد الرزاق السنهوري والذي وضع مسودة دستور 1954، ففي هذه المسودة.. تعامل الفقيه السنهوري ـ علي عكس ما يردد بعض الساسة ورجال القانون ـ مع رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية، ولذلك.. وثق له الحق وفي مواد صريحة 'المادة 104، المادة 111' في تولية واعفاء رئيس مجلس الوزراء و الوزراء، ولم تتضمن المسودة أي مادة توثق للبرلمان الحق في تشكيل الحكومة.
هذه هي دساتير المحترفين.. أما دستور الهواة فإنه يأخذنا إلي أسئلة بلا إجابات ويتركنا في حقل الألغام، ونتساءل: ما العمل إذا ما استحكم الخلاف ـ وهو أمر محتمل ـ بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟، وهو سؤال طرحته قبلاً أثناء أعمال الجمعية التأسيسية ولم أتلق إجابة، وأتذكر.. وقبل إنسحابي من الجمعية رفضًا لمسودة الدستور.. أنني قلت للسيد المستشار رئيس الجمعية في مكتبه وفي حضور آخرين 'سيادة المستشار نظام الحكم لا يصلح مطلقًا'، فأجابني وأمام الآخرين قائلاً: 'أنا مش فاهم من النظام ده حاجة'، وكان محقًا.. فلا أحد يفهم من هذا النظام شيئًا.
السؤال المطروح لا إجابة عليه نهائيًا، فوفقًا للدستور.. فإن رئيس الجمهورية لا يحق له إقالة رئيس الحكومة من ناحية، والأخير والبرلما لا يحق لهما إقالة الرئيس بسبب خلافه مع رئيس الحكومة من ناحية أخري، وعندئذ قد يقترح البعض ـ وفي إجابة السؤال ـ أن يقوم رئيس الجمهورية بدعوة الشعب للاستفتاء علي حل مجلس النواب وفقًا للمادة 127 بأمل أن يوافق الشعب علي حل المجلس ويأتي مجلس جديد بأغلبية مغايرة وتقوم باختيار رئيس حكومة لا خلاف بينه وبين رئيس الجمهورية وينتهي الأمر، وعلي الرغم من أن هذا الاقتراح يبدو معوقًا لانسيابية الحياة السياسية.. فهل في كل مرة يستحكم فيها الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يجد الشعب نفسه مدعوًا لاستفتاء ولانتخابات برلمانية مبكرة، إلا أن هذا الاقتراح ـ هو الآخر ـ ليس ممكنًا ولا يمثل حلاً إذ تعترض طريقه المادة '141'.
المادة '141' تحدد حصرًا المواد التي يباشر رئيس الجمهورية اختصاصاتها منفردًا ودون أن يكون ملزمًا بالحصول علي موافقة مجلس الوزراء، ولم تكن المادة '127' ضمن هذه المواد الحصرية، وبالتالي.. فإذا أراد رئيس الجمهورية حل مجلس النواب 'مجلس الشعب'.. فإن عليه الحصول علي موافقة رئيس الحكومة، فهل يتصور أحد أن رئيس الحكومة سوف يوافق علي الاستفتاء علي حل مجلس جاء به علي رأس الحكومة؟؟؟، وهكذا.. نكتشف ـ معًا ـ أن هناك نصًا غير مكتوب في الدستور وهو 'إن مجلس النواب 'مجلس الشعب' هو الذي يسمح أو لا يسمح باستفتاء الشعب علي حله.. وليس رئيس الجمهورية!! وفي الحاصل.. فإن دستور الهواة يفتح الباب أمام إشكالية الخلاف المتحكم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ويغلق الباب أمام أي حل لها!!.. لتنفجر الألغام.
إزاء خلاف مستحكم ولا حل له.. فإن السلطة التنفيذية سوف تصاب بالشلل 'وهذا لغم'، ومؤسسات الدولة سوف تتعطل 'وهذا لغم'، وسوف تعرف المظاهرات الشعبية طريقها إلي الميادين والشوارع حيث قد يتواجه أنصار رئيس الجمهورية وأنصار الحكومة 'وهذا لغم'، وفي نهاية المطاف قد يتقوض الاستقرار السياسي للدولة لتتطاير شظايا حقل الألغام كله.
وتتابع الأسئلة وكلها تسوق علامات استفهام معلقة وعالقة وبعضها يقول: ما جدوي انتخاب رئيس جمهورية وفقًا لبرنامج.. بينما لا يملك أدوات لتنفيذه، فكل الأدوات يمسك بها رئيس الحكومة فعليًا؟، وما جدوي الحديث عن الديمقراطية وتوازناتها.. إذا كانت الأغلبية في مجلس الشعب قد تحولت إلي 'سلطة فوق المساءلة'، فهي ـ وكما سبق القول ـ تحصن نفسها دستوريًا ضد الحل من خلال رئيس الحكومة الذي تأتي به، وهي تمارس ديكتاتورية التشريع بعد إلغاء المجلس التشريعي الثاني وتفرد مجلس الشعب بسلطة التشريع، وهي التي تختار رئيس الحكومة ووزاءه وبالتالي.. فهي تجمع عمليًا ـ بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل غياب آلية دستورية ترخص بالانتخابات البرلمانية المبكرة في رد فعل الاستجابة لتوجهات الرأي العام؟ وأسئلة أخري وكل اجاباتها تضعنا وجهًا لوجه أمام الغام محتملة، أليس انتخاب رئيس لا يقدر علي تنفيذ برنامجه ولا يمكن ـ عمليًا ـ مساءلته علي عدم التنفيذ.. بمثابة لغم؟، أليس تحول الأغلبية البرلمانية إلي سلطة فوق المساءلة.. بمثابة لغم؟.. الخ
وتجنبًا لكل هذه الألغام واستباقًا للاشكاليات السياسية المتوقعة وحفاظًا علي الاستقرار السياسي، فإننا نبدو مدعوين إلي تعديل نظام الحكم وأمامنا أحد خيارين: 
أولاً: الإبقاء علي صفة رئيس الجمهورية كرئيس للسلطة التنفيذية، ومن ثم.. تعديل المادة '139' بنص بديل وأقترحه هكذا 'يسمي رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء بعد التشاور مع الأحزاب والقوي السياسية في مجلس الشعب ويقوم بتعيينه، ويقوم بتسمية وتعيين الوزراء بناء علي اقتراح رئيس مجلس الوزراء، وله منفردًا تسمية وتعيين وزيري الدفاع والخارجية ولرئيس الجمهورية أن يعفي رئيس مجلس الوزراء والوزراء من مناصبهم، وفي المقابل.. يبقي لمجلس الشعب الحق في سحب الثقة من الحكومة أو من رئيس مجلس الوزراء أو من الوزراء، ويبقي له الحق الذي أكدت عليه المادة '127' من الدستور والتي لا تتيح للرئيس حل المجلس إلا بعد استفتاء شعبي، فإذا وافق الشعب.. تم حل المجلس، وإذا لم يوافق الشعب.. قدم الرئيس استقالته، وهي مادة منقولة من المادة '33' في مقترحي لنظام الحكم ولكن جري اجتزاؤها من سياقها.
ثانيًا: إلغاء صفة رئيس السلطة التنفيذية عن رئيس الجمهورية والتعريف به بصفة رئيسها الدولة فقط، والتحول ـ هكذا.. صراحة ووضوحًا ـ إلي النظام البرلماني الذي يمنح الحق للأغلبية البرلمانية في تشكيل الحكومة ويختص رئيس بصفة رئيس السلطة التنفيذية وهو خيار يقتضي ـ بالتلازم ـ تعديل العديد من مواد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.. كما جاءت في دستور 2012، ويقتضي ـ بالتوازي ـ التأكيد علي جواز الانتخابات البرلمانية المبكرة و'دسترة' آليتها.
فلنختار لأنفسنا أحد الخيارين.. فهذا أدعي للاستقرار السياسي، ولكن أياً ما كان الخيار.. فإن هناك خطأ آخر للهواة في نظام الحكم ويطوح بإحدي القواعد الدستورية السياسية المستقرة والتي لا تعرف استثناء في كل دساتير العالم وصمتت إزاءها التعديلات وهي قاعدة مؤداها أن مدة رئيس الجمهورية تعادل مدة مجلس النواب أو تزيد ولكنها لا تتراجع دونها.. بغض النظر عن النظام السياسي.
إنها قاعدة عرفتها كل دساتير العالم، وعلي سبيل المثال فالمدتان تتعادلان في الدستور الفرنسي 5 أعوام وفي الدستور الروسي 4 أعوام وفي الدستور الهندي 5 أعوام وفي الدستور البرازيلي 4 أعوام وتتفوق مدة الرئيس علي مدة مجلس النواب في الدستور الأمريكي 4 أعوام في مقابل عام وفي الدستور التركي 5 أعوام في مقابل 4 أعوام وفي الدستور اليوناني 5 أعوام في مقابل 4 أعوام وفي الدستور الإيطالي 7 أعوام في مقابل 5 أعوام وفي الدستور اليوناني 5 أعوام في مقابل 4 أعوام، وفي مسودة الدستور 1954 والتي وضعها الفقيه السنهوري 5 أعوام في مقابل 4 أعوام.
وهذه القاعدة ليست من فراغ وتسبقها حيثياتها بحجج تقول: إذا حمل رئيس الجمهورية صفة رئيس السلطة التنفيذية فلا يستقيم أن تأتي مدته أقل من مدة السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب، وإذا كان رئيس الجمهورية لا يحمل سوي صفة رئيس الدولة وبالتالي.. يجري اختياره من مجلس النواب، فإن دواعي الاستقرار تقتضي من ناحية أن يكون شخص رئيس الدولة موضوعًا لتوافق بين القوي السياسية في المجلس وتقتضي ـ من ناحية أخري ـ الإمساك بالتوافق مرة واحدة، وهذا لن يتحقق إلا إذا كانت مدة الرئيس تعادل مدة مجلس النواب أو تزيد.
كل دساتير العالم احترمت ـ هكذا ـ هذه القاعدة إلا دستور الهواة دستور 2012 فلقد استثني نفسه من القاعدة وجاء بمدة الرئيس أقل من مدة مجلس النواب 4 أعوام في مقابل 5 أعوام وفقا للمادتين 114، 133 ولقد أبديت وأثناء عمل الجمعية التأسيسية اعتراضي علي الإخلال بالقاعدة وواجهت بذلك السيد الدكتور مقرر لجنة نظام الحكم 'السيد الدكتور جمال جبريل ولم يقدم تبريرًا موضوعيًا لهذا الإخلال ولكنه نطق بجملة واحدة وسوف أعود إليها لاحقًا.. في جملة لا علاقة لها بما هو دستوري وفي السياق فإنني اقترح زيادة مدة الرئيس إلي 5 عام أو تقليص مدة مجلس النواب إلي 4 أعوام.
أعود إلي الجملة التي نطق بها السيد الدكتور جمال جبريل فهي جملة تفسر أشياء جرت بعد ذلك، وإضاءة التفسير تقتضي أن أكاشف الرأي العام وهذا حقه بقصة الكواليس التي سبقت تمرير نظام الحكم وقادت إليه وعلاقة هذه القصة بالمادة 19 التي أثارت الجدل وكانت اللغم البكر لنظام الحكم. كانت إجابة السيد الدكتور جمال جبريل علي اعتراضي علي الإخلال بالقاعدة هي 'إحنا مش عايزين مرسي يقعد كتير' وكان ردي.. نحن لا نضع دستورًا لمرسي ولكننا نضع دستورًا لمصر وينبغي فيه أن نحترم القواعد، وعندما سألته ما المقصود بـ'إحنا' صمت. لم تكن إجابة السيد الدكتور جمال جبريل تعبر عن موقف مناوئ لسيادته إزاء حزب الحرية والعدالة فلقد كان ـ والكل يعلم ـ واحدًا من أهم حلفائه وأدواته في الجمعية وتمت مكافأته بعد ذلك كما يعلم الجميع، ولكنها كانت تعبر عن شيء آخر.. أهم بكثير، كانت تعبر عن أولوية الاولويات لحزب الحرية والعدالة علي جدول أعمال الدستور وهي الخروج بنص يمنح الأغلبية البرلمانية حق تشكيل الحكومة وكانت تقديرات الحزب أنه سوف يحصل علي هذه الأغلبية في ثلاث دورات علي الأقل.. أي لمدة 15 عامًا علي الأقل ولتطمين الرأي العام وتسكين هواجسه ارتضوا تقليص مدة الرئيس إلي 4 أعوام كرسالة إلي الرأي العام مؤداها أنهم لا يرغبون في الاحتفاظ بالسلطة ولا يتشبثون بها فـ'إحنا' كما جاءت علي لسان السيد الدكتور جمال جبريل كانت تعني حزب الحرية والعدالة وحلفاءه، وهذا يفسر فيما بعد ما صرح به السيد عمرو موسي بعد لقاء جمعه بالمهندس خيرت الشاطر قبل 30 يونية ونشرته الصحف فلقد نقل عن الأخير قوله: إن رئاسة الجمهورية لا تعنينا ولكن ما يهمنا هو إجراء الانتخابات البرلمانية وهو ما يفسر أيضًا الترحيب المفرط لأعضاء حزب الحرية والعدالة بمعارضي الدستور الذين كانوا يرددون وفي حيثية المعارضة أن الدستور يمنح سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية وكان هؤلاء المعارضون تجري استضافتهم بانتظام في القنوات التليفزيونية والتي كانت تخضع بصورة أو بأخري لسيطرة حزب الحرية والعدالة فما كانوا يرددونه وبالمخالفة للحقيقة كان يمثل دعمًا غير مباشر وغطاءً تبريريًا لحزب الحرية والعدالة أمام الرأي العام لتمرير حق البرلمان في تشكيل الحكومة والادعاء بأن هذا الحق هو استجابة لطلبات بعض المعارضين بتقليص سلطات الرئيس!! لم يكن تمرير حق الأغلبية البرلمانية في تشكيل الحكومة سهلاً داخل الجمعية التأسيسية واقتضي بعض التواءات المخادعة كما اقتضي بعض تفاهمات المقايضة التي أثمرت المادة 219 فلقد كان حزب الحرية والعدالة يرغب في النظام البرلماني ولكن نسبة غالبة من أعضاء الجمعية ومن بينهم السلفيون كانت تنحاز إلي النظام المختلط ولم يكن حزب الحرية والعدالة يرغب في تصادم مباشر ولذلك عهد إلي حلفائه بمهمة البحث عن باب خلفي وبدت المهمة ملحة.. خاصة أنني كنت قد تقدمت بمقترحي لنظام الحكم والذي أسسته علي التوازن بين الرئيس والبرلمان ولم يتضمن حقًا للبرلمان في تشكيل الحكومة، وكان لافتًا للنظر أنه وفي جلسة توزيع مقترحي علي الاعضاء جاء السيد المهندس ابو العلا ماضي ولم ينطق إلا بجملة واحدة وهي أنه يطالب بأن يكون من حق الأغلبية البرلمانية تشكيل الحكومة.. ثم غادر الجلسة!!، فلم يكن سوي حامل لرسالة كلفه بها حزب والحرية والعدالة. في الغرف المغلقة أوكلت مهمة البحث عن الباب الخلفي للسيد الدكتور جمال جبريل فقام بمحاولة حجب مقترض عن مداولة النقاش في لجنة نظام الحكم والعمل علي اجتزائه وبشكل مشوه في اجتماعات الغرف المغلقة وقام باصطناع حبكة قصة من أشهر قصص كواليس الجمعية التأسيسية وهي قصة معنونة بـ'الأستاذ البرتغالي' ففي جلسة اللجنة العامة للجمعية التأسيسية قال سيادته.. إن هناك دراسة لأستاذ برتغالي أسس فيها لنظام مختلط جديد يقوم فيه البرلمان بتشكيل الحكومة وهو النظام شبه البرلماني وما قاله أثار دهشتي ولكنني تعمدت عدم الرد عليه حتي أطالع الدراسة، فلقد كان لسيادته سوابق في الادعاء علي الدساتير بما ليس فيها ويذكر أعضاء لجنة نظام الحكم الواقعة التي جرت أثناء إحدي جلساتها حيث ادعي سيادته علي الدستور الألماني بشيء يتعلق بالقضاء العسكري ولكن وللمفارقة كان النص الدستوري الألماني بين يدي ممثل القوات المسلحة فقام بقراءته أمام الأعضاء، وما قرأه كان مغايرًا تمامًا لما ادعاه السيد الدكتور جمال جبريل!!. وفي كل الأحوال فلقد طلبت من سيادته دراسة الأستاذ البرتغالي للاطلاع عليها وإزاء إصراري قام سيادته بتوزيع الدراسة وصدق ظني فالدراسة لم تذكر نهائيًا شيئًا عن نظام شبه برلماني بل إن سطورها الأولي كانت تقول نصًا 'في اوائل القرن العشرين كانت الديمقراطية تبني علي نظامي حكم لا ثالث لهما: النظام البرلماني والنظام الرئاسي، إلا أن كليهما شهد تطورًا ملحوظًا علي مدار هذا القرن لدرجة دفعت العلماء إلي الاعتراف ببروز نظام حكم ثالث ألا وهو النظام شبه الرئاسي'. كان الأمر هكذا بمثابة مخادعة تبحث عن الباب الخلفي بإخضاع أعضاء الجمعية للإيهام بأن تشكيل البرلمان للحكومة هو آخر مستجدات التطور في نظم الحكم والدليل هو الأستاذ البرتغالي ودراسته!!، ولكن المخادعة لم تقطع الخطوات إلي ردهة الباب الخلفي.. فلقد اعترضتها مخاطباتي للسيد المستشار رئيس الجمعية كشفًا لها واحتجاجًا عليها فهي أمر لا يليق بمحفل عهد له الشعب بكتابة دستوره ومؤكدًا علي أن أي حديث عن نظام شبه برلماني هو حديث عن اللانظام واعتراضها أيضًا تحفظ السلفيين علي حق الأغلبية البرلمانية في تشكيل الحكومة تخوفًا من هيمنة الإخوان، ولإزاحة التحفظ جري تفاهم المقايضة وبمقتضاه.. لا يعترض السلفيون علي حق الاغلبية البرلمانية في تشكيل الحكومة في مقابل دعم حزب الحرية والعدالة وحلفائه لهم في رفع سقف الشريعة ومن رحم المقايضة.. خرجت المادة 219 إلي النور وكانت هذه المقايضة هي الباب الخلفي لتمرير نظام الحكم في الدستور.. وأتساءل: هل نضع المستقبل السياسي للبلاد واستقرارها رهناً واستقرارها رهناً لنظام حكم لا يعرفه دستور في العالم ولا يجيزه منطق سياسي وجاء بمخادعة ومقايضة وفي جلسات مغلقة لهواه قاموا بالقص واللزق والاضافات المشوهة والحذف المبتور لدستور 1971 وللدستور الألماني ولمقترحي في نظام الحكم.. لاستيلاد نظامهم حقل الالغام. ويبقي أن نتأمل هذه المفارقة.. ففي المادة '153' هناك، فقرة تفيد.. بأن القائم بأعمال رئيس الجمهورية ـ في حال خلو المنصب ـ لا يحق له مباشرة ثلاثة اختصاصات لرئيس الجمهورية وهي حل مجلس النواب وتعديل الدستور واقالة الحكومة وهي فقرة منقولة من المادة '14' في مقترحي، ولكن الهواة لم ينتبهوا إلي أن القص واللزق اللذين قاموا بهما لم تتضمنا اختصاصا لرئيس الجمهورية في إقالة الحكومة!!! ويلفت النظر أن 'لجنة العشرة' لم تنتبه إلي هذه المفارقة في تعديلاتها ولها العذر.. فالمفارقات كثيرة. وبعد.. فالكلمات الأخيرة في سطور هذا المقال تستعيد كلمات حملتها سطوره الأولي، كلمات عبرت عن التقدير للجنة العشرة وهو تقدير مستحق، ولكنها استبقت ملفات النقاش حاضرة ومفتوحة وهو الآخر.. نقاش مستحق، فالهدف هو دستور احترافي ومتوازن ولا إقصاء فيه لأحد ونبني فيه ـ معًا وجميعًا ـ ذاكرة المستقبل، فهذا هو الرهان الحقيقي لخارطة الطريق.

جريدة الإسبوع العدد الإلكتروني 
الثلاثاء 10سبتمبر 2013 

إرسال تعليق

0 تعليقات