دروس مستفادة :
وقفة عرفات
----
بقلم
جابر مدني
كاتب صحفي
** لما كانت السنة العاشرة من الهجرة ، أعد
الرسول صلى الله عليه وسلم ، عدته ليحج الحج الاكبر ، ومن قبلها سبق له أن حج الج
الاصغر بأداء عمرتين .
وكان آخر شئ للرسول في حياته حجة "
الوداع " التي جاءت بها خطبته ليبين للمسلمين أمر دينهم ودنياهم . . وكان ذلك
في ( وقفة عرفات ) اليوم التاسع من ذي الحجة .
وقف
الرسول الكريم على قمة جبل عرفات ثم سار حتى أتى بطن الوادي من أرض عرفة . .
وهناك نادى في الناس وما يزال على ناقته القصواء بصوت جهوري كان يردده مع
ذلك من بعده ربيعة بن أمية إبن خلف بعد أن حمد الله وأثنى عليه.
" أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام
عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت
اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم
لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن
عبد المطلب.
وإن دماء الجاهلية موضوعة،
وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية
موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه
مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد
في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه
على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً
ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله.
وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند
الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم
ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى
وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً
ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا
بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في
المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن
بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً،
وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في
النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت? اللهم فاشهد.
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ
مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض،
فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل
بلغت ... اللهم فاشهد.
أيها الناس إن ربكم واحد
وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على
عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد
الغائب.
أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من
الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش
وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.
فلما بلغ الرسول ( ص ) خاتمة كلامه وقال اللهم
هل بلغت ، أجاب الناس من كل صوب " نعم " . فقال " اللهم فاشهد "
ولما أتم النبي خطابه نزل
من ناقته القصواء وأقام حتى صلى الظهر والعصر قصراً ثم ركبها حتى الصخرات ، وهناك
تلا عليه السلام على الناس قول الله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
ىعليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا "
فلما سمعها أبو بكر رضي
الله عنه بكى و أحس أن النبي وقد تمت رسالته ودنا يومه الذي يلقى فيه ربه سبحانه
وتعالى .
أتم النبي هذا الحج الذي
يسميه البعض "حجة الوداع" وآخرون بـ "حجة اليلاغ "
وغيرهم بـ "حجة الإسلام " ، وهي في الحق ذلك كله فقد كانت حجة الوداع
راي فيها " محمد " صلى الله عليه وسلم مكة والبيت الحرام للمرة الأخيرة .
0 تعليقات