فاروق جويدة |
( مقال )
أي القضايا أهم . . الفساد أم الدستور ؟!
بقلم :
فاروق جويدة
---
** ذهبت حكومة المهندس ابراهيم محلب بوداع حار من المصريين
للرجل على المستوى الرسمى والشعبى..كان الرئيس عبد الفتاح السيسى حريصا على ان
يشيد بدور محلب وحكومته فى هذه المرحلة الصعبة..
وكانت الجماهير على مستوى المسئولية وهى تشيد بما قدم رئيس
الوزراء خلال فترة توليه المسئولية..والآن نحن امام وزارة جديدة على رأسها المهندس
شريف إسماعيل فى تجربة وزارية جمعت بين دماء جديدة واخرى من الوزارة
السابقة..ولاشك ان الوزارة الجديدة ورثت ملفات كثيرة وامامها حقل كبير من الألغام
عليها ان تواجهه وقبل هذا كله فإن الجماهير العريضة مازالت تنتظر حلولا لمشاكلها
وازماتها اليومية ابتداء بأنبوبة البوتاجاز مرورا على فاتورة الكهرباء, وانتهاء بكوارث الصحة والتعليم وكلها
ملفات تتطلب اموالا وخططا وشفافية ومواجهة حقيقية للواقع بلا صخب او ضجيج..
> نحن امام ملف خطير فرض نفسه فى الأيام الأخيرة لحكومة المهندس
محلب وهو ملف الفساد وإذا كانت إحدى القضايا قد دفعت بهذا الملف الى الصدارة فلاشك
انه تأخر كثيرا وكان ينبغى ان يحظى بأولوية خاصة من البداية..ان ملفات الفساد
معروفة وواضحة خاصة اننا لا نتحدث فقط عن فساد رحل ولكن مازالت له بؤر ومحاور وقوى
تدافع عنه..لقد فتحت الأجهزة الرقابية ملف الأراضى وهو من أقدم ملفات الفساد فى
مصر, والأمر
الغريب ان الوقائع كانت واضحة وان الأجهزة الرقابية كثيرا ما طرحت هذه القضايا
ولكن كانت هناك قوى لا احد يعرفها تحيل هذه الملفات الى مناطق مجهولة ابتداء
بالمساحات الشاسعة التى تم توزيعها على الطرق الصحراوية وانتهاء بعدد من الأشخاص
جمعوا ثروات هائلة من الاستيلاء على اراضى الدولة..
فى قضايا الفساد هناك ملفات اخرى منها ملف الخصخصة وبيع اصول
الدولة بأسعار زهيدة ولا احد لديه حقيقة ما تم من الصفقات التى بيعت بها مشروعات
الدولة الى عدد من الأشخاص سواء احتفظوا بها او تخلصوا منها وباعوها للعرب او
الأجانب..ان اجهزة الرقابة خاصة الجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية لديهم
كل تفاصيل هذه الجرائم..ولا ينبغى ونحن نتحدث عن قضايا الفساد ان ننسى ان هناك
ملفات كثيرة لدى جهاز الكسب غير المشروع ولا احد يعلم لماذا تأخر الجهاز فى حسم
هذه القضايا بما يعيد للشعب حقوقه المنهوبة..لقد اصدرت الدولة قانونا للتصالح فى
قضايا الكسب غير المشروع بحيث أجاز القانون إغلاق هذه الملفات عند استرداد الدولة
لمستحقاتها من الأموال ولا احد يعلم ماذا تحقق من هذا القانون؟!
هناك ملفات اخرى لقضايا الفساد لم تفتح ملفاتها ومنها تسويات
الديون الخاصة بالقطاع الخاص مع البنوك وما حدث فى قضايا البورصة من تجاوزات وكلها
ملفات جمعت مئات الملايين من الجنيهات..ان الشئ المؤسف ان الدولة مازالت تبحث عن
ملاليم الموظفين الصغار فى صورة ضرائب او حوافز ولديها اوكار كثيرة للفساد نهبت
اموال هذا الشعب سنوات طويلة..ان الحكومة الجديدة او اى حكومة اخرى قادمة لن
تستطيع إغلاق ملفات الفساد سواء ما حدث منها فى الماضى او ما يسعى اليه البعض فى
الحاضر لأن الفساد اضاع على المصريين فرصا كثيرة للبناء والرخاء والتقدم ولابد من
الحساب حتى لو تأخر..
> امامنا ايضا قضية خطيرة وهى استكمال خريطة الطريق بالانتخابات
البرلمانية القادمة..والواضح حتى الآن ان الدولة تريد برلمانا وهى خارج المشهد
تماما..نحن امام حالة انقسام حادة بين المصريين لم تحدث من قبل..ونحن امام قوى
سياسية مجهولة العنوان ويصعب تحديد هويتها فكيف يتكون البرلمان وسط هذا المجهول..
نحن امام وجوه تسعى لأن تثأر من الحاضر بكل رموزه ممثلا فى ثورتين يناير ويونيو
حيث تلتقى هذه القوى نحو هدف واحد هو إجهاض رحلة مصر نحو الأمن والاستقرار..
ان اخطر ما يحمله البرلمان الجديد انه بلا هوية او ملامح وهو
صورة جديدة غامضة ومختلفة عن كل ما حدث فى البرلمانات السابقة..وقد يكون هذا
البرلمان اكبر مفاجآت الحياة السياسية فى مصر فى عصرها الحديث والأخطر من ذلك كله
ان هذا البرلمان سوف يقوم بتشكيل الحكومة واختيار رئيسها وهو الذى سيوافق على
عشرات القوانين التى صدرت فى فترة غيابه هذا بخلاف مئات القوانين الأخرى
القادمة..امام هذا البرلمان سنرى مصير قوانين الإرهاب والتظاهر والضرائب والرسوم
والبورصة والإجراءات الاقتصادية والأسعار والديون والأنفاق والميزانية والتصالح
والخدمة المدنية هذا بخلاف كل قضايا مشروعات الخدمات والمشروعات القومية..كل هذه
الأشياء سوف تأخذ مكانها فى البرلمان القادم فهل استعدت الدولة بكل مؤسساتها
القانونية والتشريعية لمواجهة هذه التحديات نحن امام قوى مدنية مشتتة فى صورة
احزاب هولامية بحيث اصبح من الصعب تكوين كتلة متجانسة فى هذا البرلمان بما يهدد
مستقبله.
> ان الدولة بعد ما يقرب من عامين جاءت تتحدث عن الألغام التى
حملها دستور 2014 وهو فى رأى العالم كله اهم انجازات ثورة يونيو ورحيل الإخوان
المسلمين فهل هذا الدستور جاء فى غفلة منا..كان الجميع يتحدث عن نظام برلمانى
واستبعدت تماما فكرة العودة الى نظام رئاسى مستبد وتم إعداد الدستور الجديد من هذه
المنطلقات وهى تضع اختصاصات محددة لسلطات رئيس الدولة والحكومة والبرلمان, واعطت للبرلمان سلطات غير محدودة يرى
البعض انها جارت كثيرا على سلطات رئيس الدولة فهل يعقل ان نطرح الآن فكرة تعديل
الدستور لتقليص اختصاصات البرلمان وهل يمكن ان يطرح هذا قبل الانتخابات البرلمانية
بأسابيع وكيف يتم ذلك والبلاد لا تحتمل ذلك كله..
ان الدستور الجديد رغم كل ما احاط بظروف إعداده وقتا ونصوصا
ومحاذير كان من اهم انجازات ثورة يونية ولا يعقل الأن مراجعة هذه الوثيقة التى
التزمت بها الدولة امام الشعب فى استفتاء شهده العالم كله.. ان حالة الخوف التى
سيطرت على اجهزة الدولة ومؤسساتها من الدستور الجديد ليست بسبب مجموعة مواد فيه
ولكنها بسبب غياب الدولة عن كل ما يجرى فى الشارع من احداث وقوى وحسابات تتسم
بالغموض وربما عدم الشفافية..ان الدولة خائفة من الماضى لأن له جذورا اوخائفة من
الإرهاب لأن اشباحه مازالت تدور فى الساحة وخائفة من الانقسامات وهى حقيقة مؤكدة, وكان ينبغى ان يكون التركيز على تكوين
برلمان جديد وليس تغيير الدستور..ان مؤسسات الدولة تستطيع الآن ان تخوض معركة
انتخابية نظيفة ومحايدة وشفافة بحيث تضمن قدرا من التجانس بين اعضاء البرلمان
الجديد بحيث لا يجئ برلمان عشوائى منقسم على نفسه غير معروف الهوية..
هناك مهمة صعبة امام مؤسسات الدولة فى الانتخابات القادمة فلم
يبق غير اسابيع قليلة وإذا كان من الضرورى الإحساس بالخوف والانزعاج فإن هذا لا
يكون بسبب الدستور ولكن بسبب المفاجآت فى البرلمان الجديد..كان ينبغى الاستعداد
للبرلمان وليس الدعوة لتغيير الدستور لأن ذلك يدخل فى نطاق المستحيل.
لقد تأخر البعض فى تفسير بعض مواد الدستور حتى وجدنا انفسنا
على ابواب الانتخابات وهذا يشبه تلميذا لم يذاكر طوال العام ووجد نفسه امام لجنة
الامتحانات ويطالب بإلغاء الامتحان..كنا جميعا نعلم مناطق الألغام فى الدستور
الجديد سواء فى العلاقة بين مؤسسات الدولة او فى مكتسبات البرلمان فى ظل واقع جديد
وكان ينبغى ان يناقش ذلك كله قبل الإستفتاء على الدستور ولا ينفع الآن الندم على
ما فات..
لابد ان تستعد مؤسسات الدولة من الآن لمواجهة العواصف المحتملة
فى البرلمان الجديد بعد تصفية قوائم المرشحين ومن رحل ومن بقى خاصة ان الساحة سوف
تشهد معارك قضائية حول ذلك كله..هناك فلول الوطنى وما يثيرون من المشاكل
والأزمات..وهناك ما بقى من فلول الإخوان وهناك الراقصون على كل الحبال لكل قادم
جديد..وقبل هذا كله هناك الأحزاب الدينية وعواصف كثيرة يمكن ان تغير
الحسابات..وبعد ذلك هناك معركة الفردى والقوائم وما يجرى امام انقسامات حادة بين
القوى السياسية..هذه الأشياء تطرح اسئلة كثيرة عن مستقبل البرلمان وما يواجهه
ن التحديات والمخاطر والألغام تخطئ الدولة إذا تصورت ان الشعب
المصرى سوف يعيد استنساخ برلمان 2010 لأن هذا تاريخ سقط ولن يعود.
> امامنا قضية تسبق كل ما طرحت من التحديات وهى مسيرة المفاوضات
حول سد النهضة مع اثيوبيا خاصة ان هناك مشاكل كثيرة فى الجوانب الفنية للسد بدأت
تطل فى سياق الأحداث..ان هناك ازمة فى المكاتب الإستشارية..وحكومة اثيوبيا تمضى فى
المشروع دون انتظار وانتهت بالفعل من 47% من المنشآت وبدأ وصول المعدات والتربينات
وقطعت شوطا كبيرا فى اتمام السد وكل ما توصلنا اليه وعود وتصريحات..ان هناك معركة
سياسية كبيرة تنتظر المفاوض المصرى خاصة انه لم يعد امامنا غير المفاوضات, وقد يتطلب ذلك تدخلا من اطراف دولية
او عربية..ولاشك ان ملف البدائل المطروحة فى هذه المفاوضات ينبغى ان يكون جاهزا سواء
على مستوى التحكيم الدولى او المنظمات الدولية او الدول العربية والأجنبية التى
يمكن ان تكون ادوات ضغط فى هذه المواجهة..
ان القضية الآن لم تعد السد او توابعه ولكنها اصبحت محاولات من
هنا وهناك للوصول الى ضمانات مؤكدة من الطرف الاثيوبى بضمان حقوق مصر والسودان بما
لا يهدد مستقبل شعوبها او يهدد مصالحها..ان ملف سد النهضة ينبغى ان يأخذ مسارا
جديدا فى المفاوضات حيث لا مجال لوعود اخرى او تصريحات وردية من هنا او هناك لأننا
امام واقع لابد ان تكون له حسابات وتوقعات ومصالح أما اللعب على عنصر الوقت والزمن
دون مراعاة لحقوق الآخرين فهذه مخاطرة كبرى..ان الموقف يحتاج الى إرادة موحدة بين
مصر والسودان حول سد النهضة وان يدرك الجانب الإثيوبى ان القضية اكبر من الوعود
والكلمات وعلينا ان نواجه الحقيقة بما يضمن حقوق جميع الأطراف لأن القضية بالنسبة
لنا قضية حياة او موت خاصة ان لدى اثيوبيا برامج لإنشاء سدود اخرى على النيل ولم
تعد القضية سدا واحدا ولكن المخاطر اكبر.
هذه بعض التحديات امام الحكومة الجديدة وامام الدولة المصرية
ولا ينبغى ان يضيع الوقت منا فى اشياء يمكن ان تؤجل ومنها تعديل الدستور الجديد
لأن ملفات الفساد اهم ولأن الانتخابات البرلمانية على الأبواب ولأن مياه النيل
تسبق ذلك كله..علينا ان نضع الأولويات لما يواجهنا من التحديات حتى لا نجد انفسنا
امام سيل جارف من الأزمات والحكمة تقتضى ان نؤجل البعض من اجل إنجاز البعض الآخر.