طواف الروح الصائمة
حول عرش الرحمن
بقلم
المهندس
زين السماك
مفكر
إسلامي
** من فضائل شهر رمضان المبارك
أنه يلقى بنوره على وجوه وقلوب الصائمين في كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك،
فعلى الصائم أن يتجنب القيل والقال والجدال من أجل الجدال وضياع الوقت فيما لا
يفيد، فالصائم المجتهد يوفقه الله بقراءة القرآن الكريم والتأمل فى معانيه ومقاصده،
وكأنه يقيم في حديقة روحية تتعانق مع روحه الباحثة عن الحب والجمال الإلهي،
يبادلها الله بحبه وجماله ونوره، وتلك سعادة غامرة تفوق كل سعادة تتطلع إليها
النفس التي تبكي على الدنيا وتبحث عن ملذاتها، فالقرآن الكريم فيه أنفاس الرسل
والأنبياء، الذين خصهم الله برسالات سماوية تنبئ عن خالق السماوات والأرض، كما
تتطوف الروح فى سماوات النور الإلهي وكأنها ترى الملائكة التى تطوف حول عرش
الرحمن، حيث وصفت كلمات القرآن مثل هذا اللقاء الروحي العظيم قائلة ( وَتَرَى
الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ،
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(75-
الزمر)، فتعالوا نلتقى حول مائدة الرحمن فى القرآن، ونتابع الآيات القرآنية من
سورة فاطر لننظر إليها وتنظر إلينا، ونرى فيها رسولنا الكريم في دعوته الكريمة من
قرب قريب، لنكون معه وفي صحبته عليه السلام، وتلك رحلة روحية تمتد فيها الأعمار
فيتلاقى فيها الزمان والمكان، وقد بدأت سورة فاطر معلنة عن نفسها أنها باسم الله
الرحمن الرحيم، ومن خلال ذلك المشهد الروحي اقتربت الآية الأولى مسبحة بحمد الله
حيث قالت الآية رقم (1) من سورة فاطر( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) ، فتتحدث الآية الكريمة عن التقدم الملحوظ الذى أحرزته الدعوة في خطابها
لأهل مكة، فعبرت عما أحست به من ارتياح كنتيجة للإقبال على الدعوة التي تؤمن
بالله، حتى ولو كان إقبالا ضعيفا، حيث بدأت الآية بالحمد لله وهي بداية لا تستميل
عبدة الأصنام، وعلى الجانب الآخر ينجذب لها كل من آمن بعبادة الله الواحد وهم
الذين يسبحون بحمده آناء الليل وأطراف النهار، تصديقا لإيمانهم برسالات السماء،
فمنهم من أسلموا بدعوة الرسول، ومنهم من ألزموا أنفسهم بالرسالات السابقة، ظنا
منهم بأنهم لا يفرطون في إيمانهم، بما توارثوه من قبل مثل العقيدة المسيحية
والعقيدة اليهودية، فخاطبتهم الآية بما يطمئن القلوب ويدعو للتفكر فى خلق السماوات
والأرض، ففطر الله السماء والأرض ولم يجعلهما جسدا واحدا، كآية تذكرهم بأن العقائد
السماوية واحدة، فلا خلاف بين ما جاءت به عقيدة وعقيدة أخرى، كما سمت الآية
القرآنية نحو السماء التى تحفل بملائكة الله، كمخلوقات نورانية خلقها الله من
نوره، فهي غير قابلة لارتكاب المعاصي والسيئات، فقد طهرها الله من كل سوء، كما
أضافت الآية صفات وأشكالا للملائكة، على أنها أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وتلك
رؤية راقية وسامية إن دلت على شيء فإنما تدل على السمو الذي بلغه الرسول فى رؤيته
وعلمه بملائكة الله، فليطمئن من كان مرتابا فى نبوته ورسالته، كما أن شريطة
الإيمان بالله الإيمان بالملائكة، وما كتبه الله على خلقه باتباع الرسالات
السماوية، وعدم التبرع أو التذرع للتفرقة بين رسل الله جميعا، وليعلم المؤمنون
بالله أن الله على كل شيء قدير.
0 تعليقات