اخر الاخبار متحرك

مصر - من مذكرات "عرابي" في ذكرى مرور 133 عاماً على الثورة العرابية المصرية

الزعيم احمد عرابي 
من مذكرات الزعيم احمد عرابي في الذكرى 133 للثورة :
نسبه ينتهي إلى الإمام على بن ابي طالب
كل تواريخ مذكرات عرابي بالهجرية
رقي لرتبة اللواء وعمره اربعون عاما
مدة حكم إسماعيل 17 عاما كانت وبالاً على مصر  
صاح بي الخديوي أن أترجل وأغمد سيفي ففعلت وأقبلت عليه
---
إعداد : عبد الرحمن مدني
** غدا تأتي ذكرى مرور 133 عاما على الثورة العرابية ، وفي تلك المناسبة نأتي بلقطات سريعة من المذكرات التي كتبها زعيم الثورة العرابية احمد عرابي . . نستعرضها على عجل لعلنا من ثناياها نقف على بعض جوانب شخصية الرجل الذي حجز لنفسه مكاناً مرموقاً في تاريخ مصر عبر كل العصور .
المذكرات حملت عنوان :
" كشف الستار عن الأسرار . . في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية سنة 1298هـ وسنة 1881م و 1882م " بقلم المغفور له : السيد احمد عرابي الحسيني المصري .
نشأتى
   - يأخذنا الزعيم أحمد عرابى  فى الفصلين الأول والثانى من الكتاب- إلى نسبه وآبائه وأجداده.. فنعرف أن ولادته كانت فى 7 صفر سنة 1257 هجرية( وهو التاريخ الذى يوافق 31 مارس 1841 ميلادية)ويكشف عرابى أن نسبه ينتهى إلى الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
وفى الفصل الثانى، يشرح لنا عرابى كيف أن أباه كان شيخا جليلا رئيسا لعشيرته، وكيف أنه- عرابى- ولد فى قرية" هرية رزنة" بمديرية الشرقية بضواحى مدينة( بو بسط) شرق مدينة الزقازيق.. وحفظ القرآن الكريم فى المكتب( الكتاب)، ويوضح لنا أن أباه مات بمرض الكوليرا- التى يسميها عرابى فى مذكراته" الهواء الاصفر"، وكان عمر أبيه 63 سنة حين مات.. بينما كان عمر عرابى ثمان سنوات فقط.. فرباه أخوه الأكبر محمد عرابى.
فى دخولى العسكرية
يأخذنا عرابى بعد ذلك إلى التحاقه بسلك العسكرية، فيشرح كيف أن الخديو سعيد باشا- الذى تفصح المذكرات عن أن عرابى كان يحبه كثيرا، حيث يصفه بأنه كان محبا لتقدم المصريين- هو الذى سمح لأبناء الفلاحين بالالتحاق بالعسكرية. وهكذا دخل عرابى العسكرية فى 15 ربيع الأول سنة 1271 هجرية ( وكان عمره حوالى 14 سنة تقريبا).
إذن.. دخل عرابى الجيش، وظل يترقى إلى أن أصبح "قائمقام بك" فى عام 1277 هجرية( كل تواريخ عرابى فى مذكراته بالتاريخ الهجرى).. وهنا يقول عرابى:" .. وهى الرتبة التى لم يصل إليها أحد قبلى من العنصر المصرى.. ثم ترقيت بعد ذلك الى رتبة" أمير آلاى".. ثم إلى رتبة اللواء فى سنة 1299 ( وهى السنة نفسها التى انفجرت فيها أحداث الثورة العرابية)
سفرياتى
يقول عرابى:" كانت مدة المرحوم سعيد باشا كلها سفريات وتمرينات حربية، وكان مما يتذكره عرابى فى هذه الفترة- بكل فخر- تمكنه من زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة.
وبعد ذلك تنتدب الحكومة أحمد عرابى ليقوم بتدريب العساكر فى الحجاز.. فيسافر.
وهنا نتوقف مع عرابى عند لقطة موحية.. إذ يؤكد بشىء من المرارة أن المصاريف الخاصة للجمال والخدم وللسفر للحجاز كانت من جيبه الخاص، ولم تدفع له الحكومة مليما واحدا.. لماذا؟ يقول " لأن الحكومة لا تعطى رجال العسكرية أجر سفريات كأجر الملكية!"
إسماعيل باع القناة!
وقد استمرت هذه المهمة 45 يوما، وأتمها عرابى على أكمل وجه، ثم عاد إلى القاهرة ليجد مفاجأة فى انتظاره!
لقد باع إسماعيل- الذى تولى ولاية مصر بعد وفاة الخديو سعيد بمرض السرطان-حصة مصر من أسهم قناة السويس لبريطانيا بمبلغ 4 ملايين استرلينى فقط، وهو الأمر الذى أحزن وأدهش عرابى .. وسنرى من ثنايا ما كتبه فى مذكراته كيف أنه لم يكن يحب الخديو إسماعيل كما أحب سعيدا من قبل.
يقول عرابى:" وبعد وصولى إلى القاهرة بعشرة أيام، توجهت إلى مصوع، حيث كنت مأمورا للحملة الحبشية، مكلفا بإيصال الذخيرة والميرة إلى الجيش أينما كان، فمكثت هناك إلى انتهاء تلك الحركة المشئومة، التى بسببها بيعت حصص الحكومة فى قنال السويس( سرا بدون إشهار مزاد عنها) للحكومة الإنجليزية بمبلغ زهيد، قدره أربعة ملايين من الليرات الإنجليزية، ولو أنها عرض بيعها على الدول الأوروبية لبلغ ثمنها ما ينيف على خمسين مليونا من غير مبالغة، على أنه لم يصرف من قيمة تلك الحصص درهم واحد على الحملة الحبشية، بل استأئر بها الخديو إسماعيل لنفسه سلبا ونهبا.
نابليون بالعربية
يوضح لنا عرابى باشا، فى الفصل الخامس، كيف أنه كان محبوبا من الخديو الراحل سعيد باشا، حتى أن سعيدا- من فرط حبه له- أهداه كتاب تاريخ نابليون!
يقول عرابى:" مما تقدم، يعلم أنى دخلت العسكرية نفرا بسيطا فى 15 ربيع أول سنة 1271 وترقيت بسرعة غريبة، جزاء ما بذلت من جهد عنيف، حتى نلت رتبة قائمقام الآلاى فى 24 صفر الخير سنة 1277 وكانت تلك المدة عبارة عن ستة أعوام إلا عشرين يوما، هى أيام سعودى، وخلو فكرى، من الأكدار الدنيوية. فقد كنت فيها عزيزا مكرما عند حضرة محمد سعيد باشا، وكثيرا ما كان يشركنى معه فى ترتيب المناورات الحربية، وينيبنى عنه فى تلقينها إلى أكابر الضباط فى حضرته."
.. إلى أن يقول:" ولشدة إعجابه بى، أهدانى( تاريخ نابليون بونابرت باللغة العربية طبع بيروت)وهو بادى الغيظ على أن تمكن الفرنساويون من التغلب على البلاد المصرية.. والتحريض على وجوب حفظ الوطن من طمع الأجانب. ولما طالعت ذلك الكتاب شعرت بحاجة بلادنا إلى حكومة شورية دستورية.. فكان ذلك سببا لمطالعتى كثيرا من التواريخ العربية، وازداد هذا الشعور فىّ تأصلا عندما سمعت خطبة ألقاها المرحوم سعيد باشا، فى مأدبة أدبها بقصر النيل، للعلماء والرؤساء الروحانيين، وأعضاء العائلة الحاكمة، وأعاظم رجال الحكومة، ملكيين وعسكريين، بعد تناول الطعام فى سرادق ثمين."
..وانتهت مدة إسماعيل!
عزل الباب العالى الخديو إسماعيل فى 7 رجب سنة 1296 وولّى مكانه ابنه توفيق باشا.. وهنا نتوقف مع سطور كتبها أحمد عرابى فى مذكراته. قال:" انتهت مدة إسماعيل باشا الخديو، وهى سبعة عشر سنة، كانت وبالا على المصريين لشدة نزقه وطمعه، وسوء تصرفه، وعدم إنصافه.. لم أر فيها خيرا، ولا ترقيت رتبة فى عهده، كما قال بعض الخراصين"
.. وكنت أظنها لا تفرج!
يحكى لنا أحمد عرابى واقعة اعتقاله حين ذهب لتقديم عريضة التظلم للخديو عن سوء لأحوال الجند، هو وزميلاه على فهمى وعبد العال حلمى.. فاعتبرهم الخديو توفيق مفسدين ووجبت محاكمتهم، وإيقافهم من الخدمة..
يقول عرابى:" فانعقد المجلس المؤلف من البشاوات السابق ذكرهم.. وتلى علينا الأمر الخديوى المؤذن بإيقافنا ومحاكمتنا.. ثم نزعت عنا سيوفنا.. وساقونا إلى السجن فى قاعة بقصر النيل.. وكان مرورنا بين صفين من الضباط الجركس المسلحين بالطبنجات كما أسلفنا.. ومر خسرو باشا كبير الجراكسة بباب السجن.. وصار يهزأ بنا ويسخر منا بقوله:" إيه زمبللى هرف لر" يعنى" فلاحين شغالين بالمقاطف".. وذلك احتقارا للمصريين. .." ولما أقفل علينا باب الغرفة، تأوه رفيقى على بك فهمى وقال:لا نجاة لنا من الموت وأولادنا صغار.. ثم اشتد جزعه حتى كاد يرمى بنفسه فى النيل من نافذة الغرفة.. فشجعته متمثلا بقول الإمام الشافعى:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا.. وعند الله المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت .. وكان يظنها لا تفرج
فلا والله ما كانت إلا هنيهة حتى جاءت أورطتان من آلاى الحرس الخديوى.. وأسرع بعض الضباط والعساكر فأخرجونا من السجن.. ففر ناظر الجهادية ورجال المجلس وغيرهم من المجتمعين.. وقصدوا جميعا إلى سراى عابدين.
لن نستعبد بعد اليوم!
عندما تذكر الثورة العرابية تتوارد إلى الذهن فورا تلك العبارة الخالدة" لقد خلقنا الله أحرارا.. ولن نستعبد بعد اليوم" التى صرخ بها عرابى باشا فى وجه الخديو توفيق.. فكيف وصف عرابى هذا المشهد فى مذكراته؟ لنرى:
يقول عرابى فى مذكراته:" .. وأما الخديو، فإنه لما عاد من العباسية، دخل السراى من الباب الشرقى، المسمى( بباب باريز) وصعد إلى الإيوان، ثم نزل منه، ومشى فى الميدان وحواليه المستر كوكسن( قنصل انجلترا فى الإسكندرية) والجنرال جولد سميث( مراقب الدائرة السنية) ونفر من جاويشية المراسلة الخديوية.. حتى إذا ما توسط الساحة طلبنى.. فتوجهت إليه لأعرض مطالب الأمة، وكنت راكبا جوادى وسيفى فى يدى، ومن خلفى نحو ثلاثين ضابطا.
.. فلما دنوت منه، صاح بى أن ترجل واغمد سيفك.. ففعلت.. ثم أقبلت عليه، وفى تلك اللحظة أشار عليه المستر كوكسن بأن يطلق غدارته علىّ، فالتفت إليه وقال: أفلا تنظر إلى من من حولنا من العساكر؟ ثم صاح بمن خلفى من الضباط أن اغمدوا سيوفكم وعودوا إلى بلوكاتكم.. فلم يفعلوا.. وظلوا وقوفا خلفى.. ودم الوطنية يغلى فى مراجل قلوبهم.. والغضب ملء جوارحهم.. ولما وقفت بين يديه مشيرا بالسلام، خاطبنى بقوله: ما هى أسباب حضورك بالجيش إلى هنا؟ فأجبته بقولى: جئنا يا مولاى لنعرض عليك طلبات الجيش والأمة.. وكلها طلبات عادلة.
.. فقال: وما هى هذه الطلبات؟ فقلت:" هى إسقاط الوزارة المستبدة، وتشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبى، وإبلاغ الجيش إلى العدد المعين فى الفرمانات السلطانية، والتصديق على القوانين العسكرية التى أمرتم بوضعها، فقال:
"كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها.. وأنا وريث ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادى.. وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا" فقلت:
" لقد خلقنا الله أحرارا.. ولم يخلقنا تراثا وعقارا- فوالله الذى لا إله إلا هو.. أننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم."
.. وهكذا اندلعت شرارة ثورة عرابى.

إرسال تعليق

0 تعليقات