حرب السادس من أكتوبر 1973م
العاشر من رمضان
العاشر من رمضان
بقلم/ عبد الرحمن مدني
عبد الرحمن مدني مقاتل 73 |
نتيجة التخبط في القرارات السياسية الخاطئة والمتضاربة بسبب الرغبة المحمومة في الإستحواز على السلطة من جانب الحزب الحاكم ( الحرية والعدالة ) و(حزب النور )السلفي بعيداً عن المطالب التي قامت من أجلها الثورة ( عيش - حرية - عدالة - كرامة إنسانية ) غير مكترسين بالقضاء على معاقل الظلم والفساد وإحتكار السلطة وتزاوجها مع رأس المال الذي ظل جاثما على صدورنا طوال ثلاثين عاماً بمباركة الرئيس المخلوع مبارك وحاشيته القابعة وراء القضبان تنتظر عدالة السماء جراء ما إقترفته من جرائم وخطايا في حق شعب مصر العظيم الذي إنطلق بثورته الخالدة في 25 يناير 2011 بعد أن طال صبره على حكم الظالميمن وجرائمهم التي كان آخرها قتل المتظاهرين خلال أحداث الثورة وسقوط مئات الشهداء بميدان التحرير (موقعة الجمل) وشارع محمد محمود ومعظم ميادين مصر بالإسكندرية والسويس والإسماعيلية وغيرها .
عذرا للإطالة
ولم أتكلم عن ذكرياتي عن حرب السادس من أكتوبر عام 73
العاشر من رمضان أو حرب الساعات الست ( كما يطلق عليها بعض الكتاب
والمؤرخون ) ولكل ما تقدم فسأكتفي بما سبق نشره لتذكرة الإجيال الحاضرة التي لم
تعاصر مشاهد تلك الملحمة الرائعة لجيش مصر العظيم وكنت واحدا من أبطاله في تلك
المعركة الخالدة .
على موعد مع القدر
نعم كنت واحداً من مقاتلي حرب أكتوبر الخالدة عام 73 ورغم مرور39 عاماً على أحداثها إلا إنني لا زلت أتذكرها بتفاصيلها الحلوة والمرة . . . نعم لقد كنت على موعد
مع القدر عندما التحقت بالقوات المسلحة قبل المعركة بسنة واحدة وشهرين
كجندي ج.ع بعد إنهاء دراستي الجامعية بكلية التجارة بجامعة الإسكندرية
حيث تم إلحاقي بإحدى وحدات الدفاع الجوي صواريخ سام الروسية العاملة بقطاع الجيش
الثالث الميداني بعد 45 يوماً قضيتها بمركز تدريب الدفاع الجوي بمنطقة اللاهون التابعة لمحافظة الفيوم وفي
الكتيبة إرتبطت بعدد كبير من أصحاب المؤهلات العليا كجنود أطباء ومهندسين وحملة الماجستير
ممن عقدت مصر الأمل عليهم في تحقيق النصر على العدو كانوا قد سبقوني في التجنيد
بأعوام عديدة حيث كان في ذلك الوقت يطلق على من يسرحون من الخدمة بمصطلح الإحتياط
أوالرديف يتم إستدعاؤهم عند الطلب
كان من بين المجندين من قضى 14 و15 سنة خدمة عسكرية تحت مسمى
الإستبقاء وخاصة السائقين وجنود المشاه والمدرعات وبعض التخصصات الأخرى . ..
كانت مهمتي طوال خدمتي بالكتيبة هي القيام بمهام " ضابط
الإتصال " داخل غرفة العمليات بين الكتيبة ولواء الدفاع الجوي لما تحتاجه تلك
المهام من السرية والأمانة والإنضباط واليقظة والسرعة وكنت أقوم بتلقي
البلاغات بالأوامر والتعليمات من زميلي ضابط الأتصال باللواء التابع له كتيبتي
وتبليغها إلى قائد الكتيبة أو رئيس العمليات بعد فك الشفرة التي كانت تتغير بين
الحين والآخر ثم الحصول على التوقيع اللازم بالعلم والتنفيذ علاوة على تلقي
البلاغات على الخط التليفوني وإبلاغها بصوت مسموع داخل غرفة العمليات أثناء قيامنا
بعمل الكمائن للطائرات المعادية إذا ما إخترقت مجالنا الجوي .وكانت غرفة العمليات
تلك داخل مقطورة متحركة مفتوحة من الجانبين ومقسمة إلى اجزاء قسم خاص بـ
"عمال التتبع" أمام كل منهم شاشة مقسمة لإحداثيات وعجلة قيادة لتتبع
الهدف المعادي رأسيا وأفقيا وخلفهم ضابط التوجيه ورئيس العمليات ثم قائد الكتيبة
وكنت أجلس ملاصقاً لقائد الكتيبة
ورئيس العمليات وأمامي خريطة يقوم بالتدوين عليها أحد الجنود لإثبات
تحركات الهدف المعادي لحظة بلحظة بينما أنا أقوم بمهام (ضابط
الإتصال) المسؤل عن تلقى
البلاغات من القيادة منذ بداية إختراق الهدف المعادي لمجالنا
الجوي ثم تتبعه ثم الإمساك به حتى
تدميره بدقة متناهية لا تقبل الخطأ ولو بنسبة واحد
في المليون أو تركه إذا ما دخل في مجال جوي لإحدى الكتائب المجاورة لكي تتعامل معه
وتدميره وفي الناحية الأخرى
من كابينة العمليات وفي مواجهة القائد أورئيس العمليات خريطة
زجاجية شفافة يقف أمامها أحد الجنود (المسجل) يقوم بتسجيل إحداثيات تحرك الهدف
المعادي بقلم خاص وبألوان ثلاث الأصفر - الأحمر - الأزرق وكل لون من الألوان
الثلاثة يتعلق بهدف معين وكانت تأتيه معلومات عن تلك الأهداف وتحركاتها من سرية
الأستطلاع من خلال جهاز لا سلكي موضوع على أذنيه .
وكانت مهمتي كضابط إتصال داخل غرفة العمليات هي الإبلاغ
والإعلان أول بأول من خلال توارد المعلومات والبيانات التي كنت أتلقاها تليفونياً
من قيادة اللواء عن الهدف المعادي من حيث السرعة والإرتفاع والإتجاه والنوع مع
تدوين كل كلمة بسجل خاص هذا إلى جانب الأمساك بدفاتر حسابات الكانتين والتصديق
عليها من المحطة العسكرية بمنطقة فايد العسكرية وهذا كان ضروريا للحصول على الدعم
اللازم للصرف على المشتريات الخاصة بالكانتين .
الكتيبة وحرب الإستنزاف
الكتيبة وحرب الإستنزاف
**ومن الحكايات التي كنت أستمع اليها من الزملاء القدامي من
الشاويشية والمساعدين أن تلك الوحدة القتالية كانت تعمل لها إسرائيل الف حساب لما
حققته من خسائر جسيمة في طيرانها المعادي . . ويحكى في أحدى المرات وأثناء (حرب
الإستنزاف) تلقت الكتيبة ضربات من قنابل الفانتوم وظلت تحت نيران الغارات الجوية
المتواصله من طائرات العدو بالقنابل الثقيلة على مدى48 ساعة على شكل هجمات بطائرات
الفانتوم طبقاً للخطة الهجومية التي كانت تتبعها إسرائيل بما يسمي تحطيم حائط
الصواريخ وراح ضحيتها عدد من المقاتلين جراء تلك الغارات ومن بين تلك المشاهد التي
كانوا يتذكرونها عندما كان أحد الزملاء في طريقه إلى الكانتين وعند عودته فاجأة
طيران الفانتوم وأصابته إحدى الشظايا المتطايرة الملتهبة ففصلت رأسه عن جسده بينما
ظل الشهيد يجري وهو ممسكاً بسلاحه الشخصي لمسافة طويلة ثم سقط على الأرض بينما
الطيران المعادي يلقي بحمولته على الموقع دون هوادة وبلا رحمة والعديد من المشاهد
التي كان يقصها علينا نحن المجندون الجدد مما كان له الأثر الكبير في شحن طاقتي
والإنتظار بلهفة يوم الثأر .
كمائن لطائرات العدو
كمائن لطائرات العدو
كانت من ضمن المهام التي تقوم بها وحدتي القتالية هو نصب
الكمائن لطائرات العدو بمنطقة الدفرسوار والبحيرات المرة وخلال مدة خدمتي وحتى
قبيل قيام حرب أكتوبر73 المجيدة قامت الكتيبة بإسقاط العديد من طائرات الإستطلاع
المعادية المخترقة لمجالنا الجوي الداخل في نطاق خدمتنا وبأوامر من اللواء التابع
له الكتيبة كنا نقوم بتغيير المكان تارة بجوار البحيرات المرة متخفيين بين التلال
وتارة أخرى بين مزارع البرتقال وأشجار المانجو بمنطقة الإسماعيلية بعد عمل التمويه
اللازم لصواريخنا والمعدات القتالية مثل الرادار ومحطات توليد القوى والمدفعية
المضادة للطائرات وغيرها . . ومن بين التعليمات المشددة قبيل حرب أكتوبر والتي
أتذكرها تماماً جاءني من لواء الدفاع الجوي تعليمات قمت بإبلاغها في حينه إلى قائد
الكتيبة تقول : عدم فتح شعاع القاذف الحامل للصاروخ أثناء البحث عن الهدف بحيث يتم
إطلاق الصاروخ مع الشعاع الحامل لحظة الإمساك بالهدف المعادي هكذا كانت الحياة
العسكرية تسير بإنضباط وريتم سريع مع رفع درجة الإستعداد بين الدرجة الأولى أو
الثانية في أغلب الأحيان إلى جانب تمام المعدات وإبلاغها بمواعيد محددة بصفة يومية
إلى قيادة الدفاع الجوي التي كانت ترسل من جانبها بطاقمها للتفتيش على المعدات
والأفراد لمطابقة الواقع بالسجلات الدفترية التي كنت أقوم بإبلاغ عنها يوميا مع
نماذج إستعاضة الخسائر في المعدات والصواريخ المدمرة للإهداف المعادية .
ساعة الصفر
كنت وقتها نوبتجي بغرفة العمليات وإذ بنا نفاجأ جميعاً بالموجة
الأولى من طائراتنا المصرية المقاتلة في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق بعد ظهر
السادس من أكتوبر1973 فوقنا متجهة شرقاً نحو القناة ولم نعرف بساعة الصفر إلا من
خلال الإذاعة الداخلية بغرفة العمليات وأجهزة الراديو التي كانت لا تفارقنا في
مواقعنا عند إذاعة البيان الأول لعبور قواتنا إلى الضفة الشرقة للقناة وهنا صاح
قائد الكتيبة بيننا وأخذ يقول لقد عبرنا . . عبرنا . . عبرنا يا ولاد وأخذنا نهلل
ونكبر ونقول في نفس واحد الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر وكانت تلك الكلمات هي
مفتاح النصر وتذكرت وقتها ممن سبقونا في الإستشهاد أثناء حرب الإستنذاف وكما أذكر
جاءتنا تعليمات بوقف إطلاق الصواريخ أثناء عبور مقاتلاتنا وشاهدت ولأول مرة في
حياتي المقاتلات وهي تحلق في السماء وتلقي بظلالها فوق رءوسنا وعلى إرتفاعات
منخفضة جداً تطير بأزيز مرتفع يصم الآذان في إتجاه القناة كي ترمي بحمولاتها
الثقيلة خط بارليف الحصين ثم تعود سالمة في دقائق كي تعاود الكرة من جديد وعندما
جاء الليل كان القمر لم يكتمل بعد بينما السماء على الضفة الشرقية للقنال مشتعلة
كقطعة من جهنم الحمراء ودوي المدافع بمختلف أنواعها لا ينقطع والأرض ترتج تحت
إقدامنا من هول قذف مدفعيتنا الثقيلة على طول خط القنال . .وللحديث بقية إن شاء
الله .
ونترك لمقطع الفيديو يحكي لقطات من إنتصاراتنا العظيمة بالصوت
والصورة عن تلك المناسبة الخالد على مر العصور والتاريخ ذكرى حرب السادس من
أكتوبرعام 1973م معركة إستعادة الكرامة والعزة والشرف لشعبنا العظيم ولإمتنا
العربية .
0 تعليقات