اخر الاخبار متحرك

مصر - لتلك الأسباب شعب مصر والقوى الوطنية ترفض

لماذا . . ؟!  يرفض شعب مصر والقوى الوطنية :
مشروع تنمية إقيلم قناة السويس
المشروع الباب الخلفي لتقسيم مصر ومنها إلى السودان وليبيا وبقية دول المنطقة
المشروع يعزل سيناء  عن بقية الأرض المصرية لصالح إسرائيل
**مجلة «أتلانتيك» نشرت خريطة عام 2008 وصفتها بأنها خطة لتقسيم مصر بإعتبار إدارة المشروع ستتولي توزيع الامتيازات واختيار الشركات دون التقيد بالقوانين المصرية

- في يونيو 2006 نشرت مجلة القوات المسلحةالأمريكية ، خريطة أعدها الكولونيل رالف بيترز، تكشف عن تمدد حدود إسرائيل الي جزء من مصر في  سيناء بالتحديد. وفي عام 2008، أعادت مجلة «أتلانتيك» الشهرية الأمريكية  الشهيرة نشر خريطة مماثلة ووصفت بأنها خطة تستهدف تقسيم مصر من الداخل.
أوضحت المجلة أن الخريطة تتبع نفس المنهج التي وضعت علي أساسه «استراتيجية إسرائيل للثمانينيات»، التي تكشفت عام 1982، بعد ترجمتها في الولايات المتحدة   من العبرية الي الانجليزية، وتهدف الي تفتيت مصر من الداخل، الي كيانات وأقاليم وبعدها تنطلق الخطة الي السودان وليبيا وبقية دول المنطقة.
هذه الاستراتيجية كتب عنها البروفيسور إسرائيل شاحاك الأستاذ بالجامعة العبرية ووصفها بأنها خطة إسرائيل الكبري والهدف منها خلق عدد من الدويلات التي تعمل بالوكالة ويمتد نشاطها الي مناطق منها  سيناء.

وكانت استراتيجية إسرائيل للثمانينيات تطلق تصورات وأحلاما عن استعاد’ سيناء ، وأوضحت أن هذا «الحلم» لن يتحقق إلا إذا صارت مصر دولة ضعيفة، تطحنها أزمة اقتصادية، وخلافات بين المسلمين والأقباط.
وحين وصل المحافظون الجدد الي مواقع تخطيط وإدارة السياسة الخارجية في إدارة چورچ بوش ابتداء من عام 2001، فقد أعادوا أفكار هذه الاستراتيجية الي الحياة، والتي تضمنتها وثيقة بعنوان «استراتيجية جديدة لإسرائيل»، والتي كانت قد كتبتها مجموعة منهم برئاسة ريتشارد بيرل الذي يعمل مستشارا عسكريا لوزارة الدفاع، وذلك في عام 1996 وسلمت لنتنياهو عند توليه رئاسة الحكومة في ذلك العام.

علي ضوء هذه الخلفية ولأن سيناء  كانت دائما الخط الأمامي للمواجهة الساخنة مع إسرائيل فإن ما أحاط إعلان مشروع تنميةإقيلم قناة السويس بناء علي مشروع القانون المعلن، والذي تتضمن المادة الأولي منه، تحديد حدود أرض المشروع بما لا يمنع من امتدادها الي  سيناء  وبما يمكن لمن يتحكم في إدارته بفصل سيناء عن بقية أرض مصر، لما يسمح به مشروع القانون من جعل هذا الإقليم منطقة عازلة بين سيناء  وبقية الأرض المصرية.

فالمشروع أعلن بطريقة أحاطت بها الشكوك وافتقاد الوضوح والشفافية وحشر مشروع القانون بمواد ترفع يد السلطة المصرية، عن هذا الإقليم  الذي هو جزء أصيل من أرض مصر،وتسمح بإدارته بعيدا عن التشريعات المصرية وعدم خضوعه للرقابة سوي رقابة رئيس الجمهورية.

سيناء التي كانت إسرائيل بعد احتلالها أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 قد علقت علي جدران الكنيست خريطة تمد حدود إسرائيل   جزءا من أرض إسرائيل الي أن ضغط عليها الرئيس أيزنهاور فانسحبت من سنياء عام 1957، وهو ما ندمت عليه الولايات المتحدة فيما بعد طبقا لما قررته الوثائق الأمريكية بأن أيزنهاور وبعد تركه الرئاسة عام 1961 قد أبلغ في أكتوبر 1965 ماكس فيشر الجمهوري وأحد كبار جامعي التبرعات لحملته لانتخابات الرئاسة بأنه يأسف لإرغامه إسرائيل علي الانسحاب من سيناء . وهي معلومة أكدها بعد ذلك الرئيس نيكسون الذي كان نائبا للرئيس وقال إن أيزنهاور أعرب عن هذا الأسف في مناسبات أخري.

أتوقف هنا أمام الباب الخلفي للدخول الي مشروع قناة السويس ، إن وزارة الإسكان والأمانة الفنية للمشروع أعلنتا طرح دراسة المشروع بالتفصيل علي عدد من المكاتب الاستشارية الأجنبية والمصرية وسوف يكون المصريون والأجانب مدعوين لممارسة نشاط تجاري في هذا الإقليم  سيكون من حق المجموعة التي ستتولي إدارة المشروع، توزيع الامتيازات واختيار الشركات دون التقيد بالقوانين السارية في أنحاء مصر.

وهذا يجرنا الي محاولة فهم ما يجري في العالم اليوم من أن إدارة السياسات الخارجية للدول المتقدمة تحكمها استراتيجيات ابتكرت وسائل متغيرة للتواجد داخل الدول التي لها فيها مصالح استراتيجية، ومن هذه الوسائل الشركات متعددة الجنسيات التي صارت عند بعض هذه الدول بابا خلفيا للسياسة الخارجية، لتفادي الشكوك المتزايدة لدي شعوب الدول النامية، من ممارسة أشكال النفوذ الأجنبي بصورة صريحة.

كثيرون في الغرب كتبوا عن هذا التحول منهم البروفيسور فيليب بوبيت وهو شخصية جادة في مجال الدراسات الاستراتيجية لأكثر من 30 عاما وسبق أن عمل مديرا للتخطيط الاستراتيجي بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، في عهود رؤساء جمهوريين وديمقراطيين وله كتابات كثيرة في هذا الموضوع منها كتابه «درع الحرب والسلام ومسار التاريخ» في 900 صفحة.

وقد شرح في كتاباته تطور طبيعة الدولة والوسائل التي صارت تتعامل بها الدول الحديثة التي أسماها «دولة السوق» بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1991، ويقول: إن العلاقات المتغيرة بين المجتمعات وبعضها، والتهديدات التي تواجهها تدار سياساتها في إطار سيولة الحركة داخل البيئة الأساسية للدول وليس في إطار ماكان يتم من قبل من غزو أو احتلال أجنبي.

وأوضح أن الحدود وحدها لن تستمر تلعب منفردة دورها في تحديد هوية الأمن القومي للدولة مادامت سيولة الحركة متاحة، داخل المجتمعات من خلال الشركات متعددة الجنسيات، هذا الباب الخلفي ليس من الصعب الدخول منه لأصحاب مصالح أجنبية لهم أهداف سياسية معينة.
إن هذا لا ينفي أن مشروع تنمية منطقة قناة السويس يعتبر مقبولا من حيث المبدأ لكن الطريقة التي أعلن بها عنه أثارت عواصف من الشكوك لم يحاول القائمون عليه تخفيفها، فقد تجاهلوا استقالة الدكتور عصام شرف ومجموعته الاستشارية ولم يحاولوا الجلوس معهم في مناقشات، تعرض علي الرأي العام وهو تجاهل تقافزت أمامه عشرات من علامات الاستفهام والتعجب.
ثم تبدلت تصريحاتهم أمام تصاعد الشكوك، فعدلوا عن استخدام تعبير الإقليم، ليصفوه بمحور قناة   السويس، وفي مواجهة عدم تقبل نصوص القانون بمواده الثلاثين، قالوا إنه مجرد مسودة - فكيف لمسودة لم يتم الانتهاء من صياغتها كقانون نهائي، أن تطلق الحكومة بناء عليها، فعاليات المؤتمر الأول لمشروع الإقليم ، وأن يطالب رئيس الجمهورية بضرورة الإسراع ببدء الخطوات التنفيذية؟! كان الواجب تهدئة المخاوف، خاصة ونحن في ظروف تنشط فيها داخل  سيناء عناصر جهادية كما تصف نفسها، تضم عناصر أجنبية تثير الفوضي وعلي مقربة منها إسرائيل الحالمة بأطماعها في سيناء ، وما أصبح معروفا علي مستويات المخابرات الأجنبية، من أن بعض هذه المنظمات، مخترق من المخابرات الأمريكية .
المشكلة إذن في انفراد رئيس الجمهورية بكافة السلطات في هذا المشروع، المحاط بأطماع ومخاطر وتحديات فنحن نعيش في زمن تغيرت فيه بالكامل، منذ بداية التسعينيات، النظريات، والمفاهيم التقليدية للسياسة الخارجية، والأمن القومي، والفكر الاستراتيجي.
ثم إننا دولة علي خط مواجهة مع إسرائيل والتي تتصرف بناء علي استراتيجية طويلة الأجل وتتحين أي فرصة لتنفذ منها أهدافها، وكان ينبغي هنا في مصر من أجل إيجاد توازن استراتيجي مع هذا الطرف الآخر، أن تكون لمصر استراتيجية أمن قومي، وهو أمر لا يمكن أن يكون له وجود إلا بأنه يشرك النظام الحاكم، معه أصحاب الخبرة، والتخصص والفهم لاستراتيجيات العالم وتحولاتها وليس الاعتماد علي المقربين، ممن ليس هذا دورهم، ولا تخصصهم ولا اتساع معرفتهم بالمحيط العالمي وما يجري فيه.
فكرة المشروع مطلوبة، لكن المنطق يقضي بدراستها أولا، بجدية وتعمق وبحيث لا تكون المنطقة أرضا تعطي لمستثمرين بحق الانتفاع، لكن أن نبدأ نحن بعقول أصحاب الخبرة بتحديد تخطيطي لما نريده، وما الذي نستطيعه لكي تكون المنطقة قلعة إنتاجية تنموية متكاملة وبعدها يأتي المستثمرون ليعملوا وفق برنامج نحن الذين وضعناه وقبل كل شيء أن تزال كافة الشكوك التي أحاطت ولا تزال تحيط بالمشروع.                     
 عاطف الغمري 

إرسال تعليق

0 تعليقات